يُعتبر العود أحد الكنوز الطبيعية التي ارتبطت بثقافات آسيا والعالم العربي منذ آلاف السنين، لكن قليلون يعرفون الرحلة الطويلة والمعقدة التي يمر بها حتى يتحول من خشب في أعماق الغابات إلى قطرات من دهن العود النقي، خاصةً عندما نتحدث عن عود تايقر الفاخر.
في هذا المقال، سنأخذك في جولة عبر مراحل إنتاج عود تايقر، من لحظة تكوّنه في قلب الطبيعة إلى لحظة تعبئته في زجاجات صغيرة تحمل عبقًا لا يُنسى.
المرحلة الأولى: المنشأ في غابات آسيا
تبدأ رحلة العود في غابات جنوب شرق آسيا، خاصةً في دول مثل كمبوديا، لاوس، تايلاند، وماليزيا. تنمو شجرة "الأكويلاريا" أو "العود" في هذه البيئات الرطبة، وعندما تُصاب بأمراض أو طفيليات طبيعية، تبدأ بإفراز مادة راتنجية لحماية نفسها، تُعرف لاحقًا باسم العود.
الخشب المُحمّل بهذه المادة هو ما يُعرف بـ "خشب العود"، لكن في حالة عود التايقر، تكون هذه المادة أكثر تركيزًا، ويتميز شكل الخشب بخطوط داكنة تُشبه جلد النمر، ومنها أتى اسمه "تايقر".
المرحلة الثانية: الحصاد اليدوي
عملية استخراج خشب العود من الأشجار تتطلب مهارة وخبرة كبيرة. الصيادون المحترفون يستخدمون أدوات بسيطة ويبحثون بدقة عن الأشجار المصابة النادرة. هذا العمل شاق وقد يستغرق أيامًا أو حتى أسابيع، مما يجعل عود تايقر من أندر الأنواع في السوق.
بعد قطع الأشجار، يتم فصل الأجزاء المصابة (المشبعة بالعود) بعناية عن الأجزاء السليمة. ثم تُترك لتجف في أماكن مظللة للحفاظ على جودتها.
المرحلة الثالثة: التقطير واستخلاص دهن العود
بعد تجميع قطع العود، تبدأ المرحلة الأهم: استخلاص دهن العود.
ويُعد التقطير بالبخار من أقدم وأدق الطرق المستخدمة، حيث تُنقع قطع العود لعدة أيام في الماء، ثم تُسخن في أوعية ضخمة ليخرج منها بخار محمل بالزيوت العطرية.
يُجمع البخار في أنابيب تبريد، ليتحول تدريجيًا إلى قطرات زيتية هي ما يُعرف بـ دهن عود تايقر.
هذه العملية قد تستمر من أسبوع إلى أكثر من شهر، حسب نوع العود ودرجة تركيز الراتنج.
المرحلة الرابعة: التنقية والتعبئة
بعد التقطير، يُترك الزيت ليرتاح، ثم يُنقّى من الشوائب. بعض المنتجين يضيفون مراحل إضافية من التصفية أو يخزّنونه لعدة أشهر لزيادة عمق الرائحة.
أخيرًا، يُعبأ دهن عود تايقر في زجاجات خاصة، غالبًا ما تكون فاخرة، ويُباع بأسعار مرتفعة تعكس ندرة المادة الخام وجهد الإنتاج.
ماذا يميز دهن عود تايقر عن غيره؟
-
رائحة فاخرة وطبقات معقدة تجمع بين الخشب والدخان والحلاوة.
-
ثبات عالي جدًا يدوم لأيام على الجلد والملابس.
-
نُدرة استثنائية تجعله مرغوبًا في الأسواق الراقية والعطور النادرة.
-
قيمة استثمارية حيث تزداد قيمته مع مرور الوقت.
الختام
رحلة العود من الغابات الكثيفة في آسيا إلى زجاجة دهن عود تايقر النقي ليست مجرد عملية إنتاج، بل هي قصة من الطبيعة، والصبر، والفن التقليدي.
كل قطرة من هذا العطر تحمل خلفها تاريخًا طويلًا من الجهد والندرة، وتجربة لا تضاهيها أي رائحة أخرى.